محمود الشريف يكتب: بين التأريخ والتأليف.. تعليق على حديث ياسر جلال
في الأيام الأخيرة أثار تصريح الفنان ياسر جلال، خلال حديث إعلامي، جدلًا واسعًا حول ما وصفه بدور "ضباط صاعقة من الجزائر" في حماية منشآت حيوية داخل مصر خلال فترات الحرب. وفي الوقت الذي نُقدّر فيه مشاعر الأخوّة العربية، ونحترم تاريخ الدعم المتبادل بين الشعوب، إلا أن مثل هذه التصريحات حين تأتي دون سند تاريخي موثق، تصبح محل نقاش وتصحيح، لا سيما إذا تعلقت بتاريخ عسكري حساس وملحمة قومية تمثل أحد أعمدة الوعي المصري.
الحقيقة التي لا جدال فيها أن مصر خاضت حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر بقيادة وبسواعد جيشها الوطني، وأن الدعم العربي جاء بأشكال سياسية ومالية وسلاحية من عدة دول شقيقة، أبرزها الجزائر، سوريا، العراق، والسعودية والإمارات في التسليح والدعم المادي. لكن لم يرد في السجلات العسكرية المصرية أو الجزائرية أو شهادات قادة الحرب أي ذكر لوجود "قوات صاعقة أجنبية" داخل المنشآت السيادية المصرية أو مشاركتها في مهام حماية الأمن القومي الداخلي.
إن البطولة الجزائرية في حرب أكتوبر ليست محل خلاف، فهي قدمت سلاحًا وعتادًا وسرب طائرات ميج-21 ووحدات مدرعة، وكان لها موقف سياسي مشرف لا يُنسى. ولكن البطولة لا تحتاج إضافة أو مبالغة حتى نُعظّمها. فالتاريخ يكبر حين يُروى بصدق، لا حين نحمّله ما لم يحدث.
كما أن الجيش المصري، عبر تاريخه، لم يسمح لدولة أيًا كانت أن تتولى حماية قلبه أو منشآته الاستراتيجية. هذا مبدأ عقائدي قبل أن يكون قرارًا عسكريًا. فالحروب تُصنع بالتحالفات، لكن الأرض لا يحميها إلا أصحابها.
المشكلة هنا ليست في الشخص الذي قال، بل في مناخ "الاستسهال التاريخي" الذي يسمح بتداول معلومات غير مثبتة بدعوى الانفعال الوطني أو الحماس الدرامي. فالفن والإعلام قد يخلقان الصورة، لكن التاريخ يظل أمانة في رقاب من يكتبون ويشهدون ويُبلغون.
نحن لا نرد لننفي دور الجزائر.. بل لنحفظه من المبالغة، لأن المبالغة تسيء حتى لو بدأت بنية طيبة.
نرد احترامًا للجزائر، واحترامًا لمصر، واحترامًا للحقيقة.
فإن كان الهدف رفع الروح القومية، فالحقيقة وحدها تكفي.
وإن كان الهدف تمجيد الأخوّة، فالتاريخ المشرف واضح ولا يحتاج تجميلًا.
ختامًا:
نحن أمة يشهد تاريخها أن الدم العربي امتزج فوق جبهات القتال دفاعًا عن الكرامة، لكن الجيش المصري لم يكن يومًا محتاجًا ليد تحميه.. بل كان دائمًا هو اليد التي تحمي الأمة.
.webp)