محمود الشريف يكتب: لا تحبسوا البراءة خلف أسوار المصروفات
في زمنٍ تتفاخر فيه وزارة التربية والتعليم بشعارات «الاهتمام بالطالب» و«تطوير التعليم المصري»، نجد أنفسنا أمام مشهد مؤسف يهدم كل ما يُقال عن القيم التربوية والإنسانية… واقعة احتجاز طالبة داخل فصل بمدرسة «نيو كابيتال» بسبب تأخر ولي أمرها في سداد المصروفات ليست مجرد حادثة عابرة، بل جريمة تربوية وأخلاقية مكتملة الأركان.
هل يعقل أن تتحول المدارس إلى سجون صغيرة يُعاقب فيها الأطفال على أخطاء الكبار؟
هل فقدنا إنسانيتنا إلى هذا الحد حتى نرى طفلة تُحتجز بالساعات لمجرد أن والدها لم يدفع “المال المطلوب في الميعاد”؟
إن المدرسة ليست جهة تحصيل أموال، بل بيت علم وتربية، يُفترض أن يحتضن التلميذ لا أن يُهينه. فالعلاقة بين الإدارة وولي الأمر علاقة قانونية وإدارية، لا دخل للطفل بها، ومن المخزي أن يتم تحميل الصغير ذنبًا لا شأن له به.
وما حدث في «نيو كابيتال» — إن صحّ كما ورد في شكاوى أولياء الأمور — ليس استثناءً، بل امتداد لحالات كثيرة شهدناها في مدارس أخرى، سواء خاصة أو دولية، حيث تُمارس بعض الإدارات ضغوطًا قاسية على التلاميذ كوسيلة للابتزاز المادي. وهذه الممارسات لا تختلف كثيرًا عن “التنمر المؤسسي” الذي يُمارس تحت لافتة التعليم.
من المعيب أن تظل وزارة التربية والتعليم صامتة أمام هذه الانتهاكات، فالصمت هنا موافقة ضمنية على إذلال الطالب وإهانة كرامته.
وأي إصلاح تعليمي يمكن أن ننتظره في منظومة تُربي أطفالها على الخوف والإهانة بدلًا من الحرية والمسؤولية؟
يا سادة، التعليم ليس تجارة، والطالب ليس رهينة.
من أراد أن يدير مدرسة خاصة فليتذكر أنها مؤسسة تربوية أولًا وأخيرًا، وليعلم أن التربية لا تُقاس بحجم المصروفات، بل بالضمير الذي يقف وراء القرار.
نطالب وزارة التربية والتعليم بتشريعات واضحة تُجرّم احتجاز أو تهديد أي طالب بسبب المصروفات، وأن تُفعّل رقابة حقيقية على المدارس الخاصة التي تتعامل مع التعليم كصفقة وليس كرسالة.
فلنحفظ للمدرسة قدسيتها، وللطالب كرامته، لأن أول درس في أي كتاب تعليمي يجب أن يكون:
“الكرامة قبل الشهادة.”
.webp)