من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

عم جمال شعرة.. سائق ستيني يعيد الأمل في الناس ويرسم درسًا جديدًا في الأمانة"

عم جمال شعرة.. سائق ستيني يعيد الأمل في الناس ويرسم درسًا جديدًا في الأمانة

لم تكن سوى لحظات عابرة على الطريق الدائري، لكنها كانت كافية لتكشف معدن رجل بسيط من ذهب. هكذا شاءت الصدفة أن تجمعني بـ عم جمال شعرة، سائق ميكروباص ستيني يعمل على خط الدائري – الدقي، بملامحه الهادئة وقميصه البسيط وشعره الأبيض الذي يروي حكايات العمر وتجارب الطريق.


صعدت جواره في مقعد السائق، وضعت شنطتي الصغيرة أمامي على "طبلوه" السيارة، وانشغلت بتفاصيل الرحلة القصيرة حتى وصلت إلى محطة البحوث. نزلت مسرعًا مثل كل الركاب، ولم أنتبه إلا بعد دقائق أن الشنطة ليست معي. شعرت بقلق يسابق خطواتي وأنا أعود إلى الموقف، أبحث عن سيارة لا أعرف رقمها، وعن رجل لا أعرف اسمه… فقط لون قميصه وشعره الأبيض.



توجهت إلى موظف الموقف أصف له ما أتذكره من ملامح، وما إن بدأت الحديث حتى بادرني بثقة:

"أنت تقصد عم جمال… راجل محترم جدًا وأمين."


كانت جملة كفيلة بإحياء الأمل داخلي. اتصل الرجل به، ولم تمر لحظات حتى جاء الرد المطمئن:

"الشنطة معايا… وما حدش قرب لها."


لم يفتحها، لم يفتشها، ولم يسأل عن محتواها. اكتفى بأن يحافظ عليها كما هي. وعندما استلمتها منه، وجدته كما وصفوه: بسيطًا، هادئًا، مبتسمًا ابتسامة الرجل الذي يفعل الخير لأنه جزء من تربيته وأصالته، لا انتظارًا لشكر ولا مقابل.



عم جمال شعرة ليس مجرد سائق ميكروباص في الستين من عمره؛ إنه نموذج لرجل يعيش بضمير، ويثبت أن الأمانة ما زالت موجودة، وأن هذا البلد بخير مادامت هناك وجوه تشبهه… وجوه تُعيد لنا الثقة، وتخفف من قسوة الأيام، وتُذكرنا بأن الخير لا يزال يسكن الطرق حتى في أكثرها ازدحامًا.


إنه درس صغير… لكنه كبير في معناه.